September 05, 2005 - بواسطة مشرف
.. مشروع إنساني لأجل فلسطين
شغلتني قضية فلسطين- أو مأساة فلسطين- منذ صباي وبواكير شبابي، وأنا في المرحلة الابتدائية من دراستي الأزهرية، ثم ازددت انشغالاً واهتماماً بها كلما نضجت وعرفت الحياة أكثر فأكثر. وذلك لعدة أسباب:
1. أنها تتعلق بجزء من ارض الإسلام، وقد تعلمنا في الأزهر: أن أي جزء من ارض الإسلام يغزوه غاز، يفرض- فرض عين- على أهله جميعاً مقاومته، كل بما يقدر عليه من رجل وامرأة. وان على المسلمين في أنحاء العالم أن يعاونوهم بكل ما يحتاجون إليه من مال وعتاد ورجال.
2. أنها ليست جزءاً عادياً من ارض الإسلام، بل هي جزء عزيز له خصوصية، لا تتوافر لغيره، فهي ارض الإسراء والمعراج، وهي القبلة الأولى للمسلمين، وبها المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وهو احد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها للتعبد فيها.
3. أنها قضية تجلى فيها الظلم المبين الواقع على أهلها، فقد تآمر عليهم الانتداب البريطاني والمكر الصهيوني، على حين غفلة ووهن من العرب والمسلمين، واستخدم معهم أقصى أنواع العنف، وأقيمت المجازر البشرية لأهل البلاد، حتى اخرجوا من ديارهم بغير حق، وشردوا في الآفاق. وحلّ محلّهم الغرباء الوافدون من هنا وهناك. وحصر أهل فلسطين في رقعة ضيقة هي الضفة الغربية وقطاع غزة. وقيل لهم: هذه لكم، ليس لكم حق في غيرها. ثم لم يدعوها لهم، بل احتلوها بالحديد والنار. ولا زالوا يذيقون أهلها الويلات، وينزلون بهم الخراب والموت كل يوم.
فلا يزال أهل فلسطين يصبحون ويمسون على أطفال تيتم، وأمهات تثكل، ونساء ترمل، وأسر كاملة تفقد عائلتها أو بيوت تهدم ويترك أهلها في العراء، وأراض تجرف بالقوة وتضم إلى الدولة الغازية، ومزارع تحرق وتترك أرضاً سوداً! وأشجار زيتون معمّرة من مئات السنين تقلع، وحصار اقتصادي كاد الناس معه لا يجدون القوت.
لهذا كان إخواننا من أهل فلسطين أحوج ما يكونون إلى المعونة من أهل الخير من إخوانهم من العرب والمسلمين، ومن الخيّرين والرحماء من أنحاء العالم.
إغاثة أهل فلسطين فريضة على كل قادر
ومن هنا أصبحت إغاثة هؤلاء المساكين المستضعفين المكروبين المحاصرين: فريضة على كل من يقدر أن يقدم إليهم شيئاً أو يساعدهم على ذلك.
ونحن المسلمين مأمورون- بحكم إيماننا- أن نحض على طعام المسكين كما قال تعالى:"أريت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدعّ اليتيم، ولا يحضّ على طعام المسكين"
سورة الماعون: الآيات 1و2و3
وقد ذم الله أهل الجاهلية بقوله:
" كلاّ بل لا تكرمون اليتيم، ولا تحضّون على طعام المسكين" سورة الفجر: الآيتان 17و18
ومن اجل هذا: ناديت أنا وبعض الفضلاء والشرفاء من محبّي الخير، وأصحاب الهمم العالية، والنيات الصافية، بالعمل على إنشاء مشروع إنساني خيري، يعمل بقدر الجهد على سد حاجة المحتاجين من أبنائنا في فلسطين: من إطعام جائع، أو كسوة عار، أو إيواء متشرد، أو رعاية أرملة أو كفالة يتيم، أو علاج مريض، أو ترميم مستشفى أو مدرسة أو مسجد، أو إنشائه عند اللزوم. وأطلقنا على هذا المشروع اسم (ائتلاف الخير) لأنه يتكّون من عدد من الجمعيات والهيئات الخيرية، التي تتعاون في سدّ هذه الثغرة، كما قال تعالى:"وتعاونوا على البر والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" سورة المائدة: الآية 2
وقوله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً".
وقد شرّفني الإخوة الذين اجتمعوا على هذه المبادرة بان أكون على رأس هذا الائتلاف الخيّر، الذي كتب الله التوفيق للقائمين عليه، واستطاع أن يقوم بمهمات جليلة داخل ارض فلسطين، ومما دلّ على أن أهل الخير والراغبين فيه ابتغاء مرضاة الله تعالى ومثوبته: لا زالوا كثيرين والحمد لله.
ومن المؤكد: أن هذا الائتلاف لا علاقة له إطلاقا بالعمل العسكري، ولا العمل السياسي، ولا يمت إليهما بصلة. وهذا واضح وضوح الشمس، منذ نشأة الائتلاف والى اليوم.واضح في أهدافه، وواضح في برامجه، وواضح في مشروعاته وأعماله. وهو يعمل على المكشوف، وليس يعمل في سراديب تحت الأرض، ويعرض ما يقوم به الناس جهاراً نهاراً، حتى لا يشك شاك أو يرتاب مرتاب.
ومع هذا نجد الذين في قلوبهم مرض ينشرون القيل والقال، حول هذا الائتلاف، والقائمين عليه، وحول رئيسه الذين يتهمه الأفّاكون بمساندة الإرهاب، وهو أوّل من يستنكر الإرهاب، ويدعو إلى التسامح لا التعصّب، والحب لا الكراهية، والرفق لا العنف، والحوار لا الصدام، والسلام لا الحرب.
الشيخ د. يوسف القرضاوي - رئيس ائتلاف الخير