November 30, 2010 - بواسطة مشرف
يــد الله مــع الجماعــة
تقوم أركان الإسلام الخمسة على قاعدة الجماعة.
فالركن الأول وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يشكل أساس وحدة المجتمع الاسلامي. وتتكرس هذه الوحدة في الأركان الأربعة الباقية.
فالصلاة جماعة هي أكثر ثواباً عند الله من الصلاة المنفردة. والصلاة خمس مرات في اليوم. أي أن جماعة المسلمين تلتقي في الحيّ الواحد خمس مرات تحت سقف الإيمان بالله الواحد. وتكون صلاة الجمعة أوسع في لمّ شمل الجماعة. وتكون صلاة العيدين (الفطر والأضحى) أشمل في تحقيق هذه الغاية النبيلة.
ثم ان صوم رمضان يعكس أسمى معاني التضامن الاجتماعي. فالإمتناع الجماعي عن الطعام والشراب في وقت واحد ولمدة محددة يلتزم بها الجميع، ومن ثم الإفطار في وقت واحد، إن كل هذه المعاني تكوّن المشاعر الواحدة من خلال المشاركة في الجوع والعطش ومن ثم في الإلتقاء حول مائدة الرحمن.
ولا شك في أن الحج إلى بيت الله الحرام يحمل أسمى معاني وحدة الجماعة، بل الجماعات من كافة أرجاء المعمورة وعلى أوسع نطاق. وتتحقق هذه الوحدة في ظل المساواة بين الجماعة في لباس الإحرام الموحد، وفي اداء المناسك ذاتها في مكان واحد وفي وقت واحد.
وفي هذا الإطار أيضاً يقع ركن الزكاة الذي يعطي وحدة الجماعة بعداً إيمانياً جامعاً من خلال المعاني التي تتضمنها فلسفة هذا الركن.
ذلك ان اداء الزكاة يحقق الحكمة الإلهية على الصعيد الاجتماعي العام بأن لا يكون المال «دولة بين الأغنياء» كما جاء في القرآن الكريم، ويحقق حكمة إلهية ثانية بتحقيق التكافل الاجتماعي بين جماعة المؤمنين؛ كما تحقق حكمة ثالثة بحفظ واحترام الكرامة الانسانية للمؤمن المحتاج من خلال اعتبار اداء الزكاة حقاً معلوماً له في مال الموسرين.
ولقد اقترنت الزكاة في العهد المدني بالصلاة 21 مرة، تأكيداً من القرآن الكريم ليس فقط على أهميتها، انما على التكامل بين الركنين في تعزيز العلاقة بين جماعة المسلمين اجتماعياً واقتصادياً، إضافة إلى علاقتهم الروحية الإيمانية الجامعة. فالإسلام يصف المؤمنين بأنهم أخوة، وتشكل الزكاة رابطاً من أهم روابط هذه الأخوة، كما جاء في [الآية 11 من سورة التوبة] التي تقول: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِيالدِّينِ} فإذا كانت العلاقة بين الذين يملكون والذين لا يملكون في المجتمعات العامة تتأثر بالحسد وحتى بالكراهية، فإن الزكاة تجعل من هذه العلاقة في المجتمع الإسلامي علاقة أخوة بكل ما تعنيه من محبة واحترام وتقدير.
ومن أجل أن تشمل هذه الأخوة المؤمنين جميعاً، فقد فرضت الزكاة كحق لمستحقيها، حتى على فائض المحصول الزراعي حيث تقول [الآية 141 من سورة الأنعام]: {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
لقد وعد الله المؤمن الذي يؤتي ماله يتزكى، بتجنيبه {ناراً تلظَى} أي جهنم وعذابها [الليل ــ 14]. ووعد المتقين الذين يؤتون الزكاة برحمته الواسعة [الأعراف: 156].
وهكذا فإن الزكاة نعمة في الدنيا، وهي نعمة في الآخرة. وما عند الله خير وأبقى.
بقلم الأستاذ محمد السماك
عضو مجلس أمناء صندوق الزكاة في لبنان