July 09, 2013 - بواسطة مشرف
من قضايا الزكاة المعاصرة
الزكاة تطلق على النماء والطهارة، أما من الناحية الشرعية فهي حقٌ واجب في مال مخصوص بشروطٍ مخصوصة وتُصرف في مصارف خاصة محددة. فالزكاة عبادة مالية وطهارة من البخل والطمع، وهي لإعانة الذين ذكرهم الله تعالى في سورة التوبة الآية 60:
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ،
وقد ذكر في القرآن الكريم أنها وجبت على غير المسلمين من الأمم السابقة، فقال تعالى:
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (سورة الانبياء، الآية 73)، وقال سبحانه: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا* وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (سورة مريم، الآيتان 54-55)
أما حكم الزكاة فهي ركن من أركان الإسلام الخمسة التي لا يتم إسلام المرء إلا بأدائها(إن وجبت عليه)، كما أنها قرينة الصلاة قال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (سورة البقرة، الآية 43)
، وعليه فمن أنكر وجوبها فقد كفر، لذلك قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة. وقد بشر الله تعالى مانعي الزكاة بالعذاب ودخول جهنم فقال: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (سورة التوبة، الآيتان،34-35).
ولا تغني الصدقة عن الزكاة، فمن كان يتصدق خلال العام على المحتاجين لا يمكنه أن يمنع الزكاة بدعوى أنه كان يتصدق، لأن الزكاة عبادة، وكل عبادة لا بد لها من نية عند القيام بها.
أما شروط وجوب الزكاة، فنذكر منها النصاب، وهو القدر من المال الذي إذا بلغه المسلم أعتبر غنياً وتجب فيه الزكاة، وهو يختلف باختلاف أنواع المال، فزكاة المال النقدي والذهب هي 85 غراماً من الذهب باختلاف سعره المتغيّر، وهناك أنصبة أخرى للأنعام باختلاف أنواعها والزروع والثمار. ومن الشروط أيضاً حولان الحول أي مرور عام هجري كامل على المال، وهذا ليس شرطاً في الزروع والثمار، وإنما تُدفع زكاتها عند حصادها، أما الأموال الأخرى فتدفع زكاتها إذا بلغت النصاب ومرَّ عام هجري على هذا النصاب أو ما زاد عنه، فتصرف زكاتها في مصارفها الشرعية.
وهناك تساؤل في حلي النساء، فما يُفتى به اليوم هو أن ما زاد من الحلي عند النساء عن مثيلاتها تدفع زكاته، وإلا فإن ما في أيدي النساء من الحلي المعتاد فيُعفى عنه، وذلك جمعاً بين الآراء، وهذا ما عليه الفتوى في كثير من المؤسسات التي تُعنى بالزكاة.
أما الحاجات الأصلية والتي لا يستغني عنها الإنسان، كالسيارة مثلاً وأثاث المنزل، والمنزل نفسه فهذه ليس فيها زكاة، وكذلك أصحاب المعامل والمخازن والمستودعات ليس عليهم زكاة في معاملهم ومخازنهم ومستودعاتهم والسيارات الخاصة بشركاتهم، ولذلك جميع هذه الأمور لا تقوَّم ولا يُدفع عنها زكاتها.
أما إن كان على الغني دين، وهو دين حال ينقص المال عن النصاب فلا يتحقق أحد شروط الزكاة، فلا يجب في ماله زكاة ولا يُعدُّ غنياً صاحبه. أما الديون المؤجلة وخصوصاً المؤجلة أكثر من شهر أو ما كان منها مؤجل إلى سنة أو سنتين فلا يُعدُّ هذا الدين من الديون التي يطرح منها المال الموجود لدى الغني، فلا ينقص النصاب بهذا النوع من الديون.
وهنا أؤكد على زكاة الأنعام التي يتغافل كثير من مربيها عن زكاتها، فيجب أن يخرج منها الزكاة في حال بلغت النصاب، ولها نصاب خاص، وحال عليها الحول، وكانت سائحة ترعى في الحقول ولا يتحمل صاحبها مؤونة علفها، وبعض الأنعام يضم إلى بعض مثل الغنم يضم إلى الماعز والبقر إلى الجاموس، ولا يضم الغنم إلى البقر أو البقر إلى الإبل، لذلك النصاب من أنواع الأموال لا يكمل بغيره من الأنواع، فمثلاً الفضة لا يكمل الذهب، ولا يكمل الذهب بالشيء نفسه مثلاً. ولكن في عروض التجارة تضم بعضها إلى بعض حيث أن نصابها هو نصاب الذهب أي 85 غراماً من الذهب أو ما يعادله.
أما زكاة الأسهم فهي نوعان، الأول: من اتخذ الأسهم للاتجار بقصد الربح، فيعتبر حكم هذا النوع، حكم عروض التجارة فتؤخذ الزكاة منها بقدر قيمتها في نهاية كل عام هجري. والنوع الثاني هم من تملك الأسهم للإفادة من ريعها وليس بهدف تنميتها، وفي هذه الحال يزكيها زكاة المستغلات، أي يزكي الربح في حال بلغ النصاب وحال عليه الحول، ولا يزكي أصل المال، وهناك من جعلها كالنوع الأول أي يزكي الربح وأصل المال. وهناك من فرّق بين أنواع السندات، أي سندات الشركات الصناعية أو التجارية أو الزراعية، وفيها تفصيل ليس هنا مكانه.
ومما يكثر التساؤل حوله هذه الأيام الأموال التي جُمعت من أجل شراء مسكن أو بناء مسكن أو من أجل الزواج أو لشراء سيارة، وقد بلغ هذا المال النصاب وحال عليه الحول، فمما لا شك فيه أن فيه زكاة وذلك لعموم الأدلة على وجوب الزكاة؟ ومن ذلك أيضاً من كانت له بضاعة يعرضها للبيع لكنها كاسدة، فعليه أن يقوّمها بالسعر الرائج ويدفع زكاتها.
ويكثر التساؤل أيضاً حول مكافأة نهاية الخدمة هل فيها زكاة أو ليس فيها الزكاة؟ وأساس المسألة الخلاف في تعريف مكافأة نهاية الخدمة وما هو أصلها، ولذلك نقول إن كان أصلها: نسبة معينة من مرتب الموظف تضاف إلى الوعاء المخصص لتغطية الراتب التقاعدي (وهذا الوجه الغالب)، ففي هذه الحال لا زكاة في هذه المكافأة عن الأعوام السابقة، وإنما يدفع الموظف أو من ينوب عنه (كالورثة مثلاً) زكاتها عن عام واحد عند قبضها قياساً على زكاة الدين غير المرجو إن قبضه صاحبه بعد سنين، وهذا الرأي رجحه كثير ممن يشتغل بفقه الزكاة.
مدير عام صندوق الزكاة في لبنان
الشيخ زهير شفيق كبي