May 21, 2008 - بواسطة مشرف
جامعة الخير
للزكاة بعدها النفسي والاجتماعي كما لها بعدها الديني والشرعي.. فهي ثالث أركان الإسلام وعبادة مالية محضة، لا تتضمن حق الفقير والسائل والمحتاج وحق الله تعالى فقط كما يظن بعض الناس وإنما تتضمن حق المال ذاته وحق المزكي، إذ أن الزكاة طهرة للمال والإنسان معاً، يقول الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلِّ عليهم إن صلاتك سكن لهم}... فهي تطهير للمزكي من الشحّ والبخل، وتزكية لنفوسهم من الأنانية وحب الذات، وكسرٌ لِطوْق الـ(أنا) وخروج من أسر النفس إلى حب الآخرين والشعور بهم والعطف عليهم والإحساس بآلامهم، وهي حق المال كما جاء في الحديث النبوي الشريف: (فإن الزكاة حق المال)، (والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها...)...
من هنا كانت الزكاة جامعة الخيرَ وعلاجَ معظم المشاكل الاجتماعية والنفسية التي يئن منها الناس والمجتمع، وبمقدار ما يعم هذا الخير ويتسع بمقدار ما تتضاءل المشاكل والعقد ويسود الأمن النفسي والاجتماعي في المجتمع وبين الناس، وإذا علمنا بأن الله تعالى جعل حاجة الفقراء في أموال الأغنياء تأكد لدينا ضرورة وحتمية العمل على تذكير الناس بالزكاة وتوسعةُ النشاط في إطار الدعوة إلى الله تعالى ليتربى الناس على هذه السجية وعلى خلق العطاء والبذل دون تردد أو تعثر. إن الزكاة فريضة شرعية وركن من أركان الإسلام لا يستغني عنها المجتمع المسلم، بل لا يستغني عنها المجتمع الإنساني، فضلاً عن المكلّف بها، لأن فيها حلاً لكثير من الأزمات التي ترجع إلى المال، والتضخم، كما فيها ضمان الاستقرار الاقتصادي، لأنها تؤمن حسن دوران المال بين فئات الناس، كما قال الله تعالى: {حتى لا يكون دولةٌ بين الأغنياء منكم}، ومعلوم أن غالب مشاكل العالم الاقتصادية اليوم، والتي تنعكس سلباً على أمن المجتمعات الإنسانية، سببها أن العالم يشهد أزمةً مالية خانقة نتج عنها تجمع رؤوس الأموال بين يدي فئة لا تتجاوز العشرين بالمئة من مجموع البشرية، بينما تعيش الثمانون بالمئة الباقية تحت خطّ الفقر، وهذا من أحد المعاني التي تضمنته الآية الكريمة: {حتى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}.
ومما يجب أن يُعلمَ أن المزكيَّ بماله على مستحقيه ليس بمتفضّل عليهم، وإنما هو حقّ للفقراء يؤديه إليهم، وعليه فإن إمساكه هذا الحق أكل لحقوق الفقراء. هذه المعاني السامية التي تضمنتها فريضة الزكاة كفيلة بحل غالب المشاكل الاقتصادية التي تُنْتِجُ التضخمَ وتجمع رؤوس الأموال في أيدي قلّة من الناس فإذا أضيف إليها ما حضّ عليه الإسلام من صدقة تطوع، وإغاثة ملهوف، ونظام الوقف، وغير ذلك من التشريعات المالية التي لا تدخل ضمن دائرة الواجب الذي هو الزكاة، وإنما ضمن دائرة التطوع، الذي هو أمر زائد على الواجب، والمأخوذ من قول صلى الله عليه وسلم: (إن في المال حقًّا سوى الزكاة)، إذا اجتمعت هذه التكاليف في مجتمع، فإنّ الحاجة فيه ستنعدم بإذن الله تعالى، وسوف يبلغ حدَّ الكفاية المالية، لأن أصحاب المال استطاعوا أن يغالبوا الشّح الذي جبلت عليه الأنفس والذي يسبب الأزمات المالية، ومنع الحقوق عن أصحابها.
لأجل كل هذه المعاني لا بد من التأكيد على أهمية تأدية الزكاة المفروضة من قبل من وجبت عليهم، ولا بد من بيان أن تأخّرهم في تأديتها هو مساهمة منهم في استمرار الأزمات المالية، وحالات الفقر التي نسمع بها، وربما نعيش بعضها. وأن المسارعة إلى تأدية فريضة الزكاة إلى مستحقيها مساهمةٌ جادّة في حلّ بعض المشاكل الاقتصادية، وسعيٌّ إلى مجتمع يعيش كفاية مالية تغنيه عن الحاجة إلى صدقات الدول ومِنَحِها التي تقيّد المجتمعات بقيود تمنعها من حرية التصرف بمقدراتها.
وقبل كل هذا فإن تأدية الزكاة هي استجابة لأمر الله سبحانه الذي بيده خزائن كل شيء وخزائنه لا تنضب، ومعلوم أن الاستجابة لله تعالى ولرسوله هي مفتاح كل خير، ومفتاح كل تغيير نحو الأفضل {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم} {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
وهكذا، ففريضة الزكاة فيها أمن نفسيّ يعيش به المزكي، وأمن اجتماعيٌّ ينتج عن الكفاية التي تؤمنها فريضة الزكاة في المجتمع، وأمن عالمي يتمثل في حسن توزيع الـثروات بين الفقـراء والأغنياء ـ أعني الدول الغنية والدول الفقيرة ـ، فلا نعود نسمع بمشكلة الشمال والجنوب التي تقلق الأمم المتحدة اليوم، والتي تنذر بمجاعات بدأت تطل برأسها على المجتمعات الجنوبية الفقيرة. فإلى فريضة الزكاة أيها المسلمون، لتكونوا عباداً لله تعالى ممن يحبهم المولى، إذ (الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله).
الشيخ د. مالك الشعار
مفتي طرابلس والشمال